أخطر حدث فى المستقبل

 ما هو أخطر حدث في المستقبل؟



على مستوى فردي كل واحد له حياة شخصية.
إذا قلنا لأحد الأخوة الكرام: يجب أن تعيش المستقبل، ما هو أخطر حدث في المستقبل؟ مغادرة الدنيا، إلى أين؟ الإنسان يسافر ويرجع، يذهب في نزهة ويعود إلى البيت, يقوم بمهمة ثم ينام في البيت، يأتي بعد شهر بعد سنة، يذهب إلى بلد بعيد, يقيم شهراً أو شهرين، سنة أو سنتين، ثم يعود، أما هذه الرحلة التي لا عودة منها إلى أين؟ وماذا فيها؟ وما العملة الرائجة في هذه الرحلة؟.
أنا أعتقد أن هذا ليس من باب التشاؤم، ليس من باب السوداوية، وليس من باب أن تعيش في جو مأساوي، لا أبداً، فالموت مصير كل حي، الموت نهاية كل إنسان، الموت لا بد من أن نتجرع كأسه شئنا أم أبينا، ولم يُعفَ من هذا التجرع نبي مرسل, ولا سيد الخلق, ولا ملك عظيم، ولا غني كبير، ولا طبيب ماهر، الموت مصير كل حي:

كــــل مخـــلوق يموت ولا يبـقى إلا ذو العزة والجبروت
والليـــل مــهمــا طال فلا بـد مــن طـــلوع الفجر
والعــــمر مـــهما طال فلا بـد مــــن نــزول القبر
كل ابن أنثى وإن طالت سلامت##هيوماً علــى آلةٍ حـدباء محمول
فـإذا حمـلت إلى القبور جنازةً ## بأنــك بعدهــا محمول

 أسعد لحظات المؤمن :

فالتفكر بالموت لا علاقة له بالتشاؤم أبداً ولا بالسوداوية, هذا كلام الجهلة، هذا الحدث الذي لا بد منه شئنا أم أبينا, وليس له قاعدة, فقد يخطف الإنسان فجأةً, وبأي عمر, ففي الثلاثينات موت، وفي العشرينات، بالأربعينات، بالخمسينات، الموت ليس له قاعدة إطلاقاً، قاعدته الوحيدة أنه ليس له قاعدة، الشيء الذي تستعد له وتفكر فيه دائماً لا تفاجأ به، بل أنت قد أخذت احتياطات بالغة.
تصور أن طالباً مُجداً لحظة الامتحان, لا تغادر ذهنه طوال العام الدراسي, فحينما يأتي شهر حزيران, ويدخل إلى قاعة الامتحان, وتوزع الأسئلة, لا يخشى ولا يهاب, فالكتاب قرأه مرات ومرات, وحفظه, وحلله, وفهمه, وأجاب عن أسئلته، واستوعبه, تراه في هذه الساعات الثلاث في أسعد لحظات حياته, لأنه يقطف ثمار عام بأكمله.
وصدقوني -أيها الأخوة ولا أبالغ- المؤمن حينما يدنو أجله يكون في أسعد لحظات حياته, لأنه في هذه الساعة يقطف ثمن عبادته كلها، كل حياته؛ صلواته، ذكره، استقامته، ضبطُ جوارحه، ضبطُ أعضائه، ضبطُ دخله، تربية أولاده، دعوته إلى الله، تجشمه التعب في سبيل الله، انتهى التعب وجاء الإكرام، انتهى التكليف وجاء التشريف، انتهى العمل وجاء الجزاء، انتهى الكدح وجاء التكريم، انتهى السعي وجاء ترجمة قوله تعالى:

﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ﴾

النظرة السوداوية للموت ينبغي ألا تكون في حياة المؤمن، مرحباً بالموت كما قال بعض أصحاب رسول الله، والكلمة المشهورة جداً والتي تعرفونها:
كان القادة المسلمون يقولون لأعدائهم: جئناك بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
لكن لو كان الإنسان شارداً، أو عاصياً، أو بعيداً، فذكر الموت ينخلع له قلبه فهو شيء مخيف.

هل للموت قاعدة؟

قصة ذكرتها لكم كثيراً, لكن مفيدة جداً, أذكركم بها:
لي صديق وهو أحد أقربائي, مدرس لامع ذكي، حياته منضبطة، جالس مع أصدقائه في سهرة ممتعة، وهو ذو دعابة, فقال لهم: أنا سوف أموت بعد حين طويل -لماذا؟ وكانت إجابته منطقية جداً- قال: أنا وزني خفيف، طعامي قليل، أسير على قدمي كثيراً، لا أدخن، لا أحمّل الأمور فوق طاقتها، لا أحمِل هموماً.
طبعاً: كلامه علمي, هذه كلها أسباب الموت، الشدة النفسية أحد أسباب الموت، الوزن الزائد أحد أسباب الموت العاجل، الصدمات، التدخين، والسهرة كانت يوم السبت في أحد أحياء ركن الدين، السبت التالي كان هو نفسه تحت التراب، لا قاعدة للموت إطلاقاً

مشكلة الموت :

والموت مشكلته: لا يذكر في كثير إلا قله.
أكبر حجم مالي تخسره في ثانية واحدة، توقف القلب؛ ماذا تملك من أموال منقولة أو غير منقولة صارت لغيرك، قدمت لك هدايا ثمينة في حياتك، لك مركبة تعتني بها، لا يركبها أحد سواك, تؤخذ مفاتيحها, وكانت لا يستعملها أحد من أولادك، جاء الموت فانتهى الأمر, ولم تعد تملك شيئاً, والكفن ليس له جيوب، بضعة أمتار من الخام الأبيض، في حين كانت بدلته ثمنها ثمانون ألفاً, والآن يلفوه بخام ثمنه عشرون ليرة، هذا هو الموت، الموت خطير جداً, مغادرة بلا عودة.

الموت مصير كل إنسان

لكن الموت لا يعرف شاباً، ولا شيخاً, ولا صحيحاً, ولا مريضاً, ولا قوياً, ولا ضعيفاً. سبحان من قهر عباده بالموت.
هذا الموضوع خطير ومهم ولصيق بأي إنسان، قد تتكلم عن الزكاة فهو موضوع رائع, ولكنك تقول: ليس لي علاقة بالموضوع فليس عندي أموال أملكها، الموضوع دقيق وعميق وعليه أدلة، لكن ليس لك علاقة به فأنت فقير، قد نتكلم عن الحج والفقير ليس عليه حج، أكثر الموضوعات تمس أناساً دون أناس إلا الموت, فهذا لا يستطيع قائل أن يقول: أنا ليس لي علاقة، هذا مصير كل إنسان، وهو مصير محتوم.
ذهبت إلى أمريكا قبل أشهر, فلفت نظري مقبرة, وهناك أيضاً موت:

﴿أينما تكونوا يدرككم الموت﴾

ومهما تكن أحوالكم يدرككم الموت، فلو كنت في بحبوحة ورفاه وغنى، فالإنسان مصيره إلى المقبرة

في أي مكان وفي أية مكانة تكون:

لا تأمن الموت في طرف وفي نَفس وإن تمنَّعت بالحجــاب والـحرس
فمـا تـزال سـهام المـوت نافذة في جنــب مـدرع منها ومتـرس
أراك لسـت بوقّـاف ولا حـــذر كالحاطب الخابط الأعواد في الغلـس
ترجو النجاة ولم تسـلك مسـالكها إن الســفينة لا تجري على اليبس

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال