هل هناك ضرر في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
البدع في الاحتفال بالمولد النبوي تُعَدُ منازَعة ومُشاقة ومُعاندة للشريعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم. قد يؤدي اتباع البدع إلى خروج الإنسان عن دينه دون أن يشعر به، حيث يعتقد أنه يتقرب إلى الله في حين يغوص في البدع. البدع تبعد الإنسان عن الله بينما يعتقد أنها تقربه إليه. ولكي تُقَبَّل الأعمال الصالحة، يُشتَرَط أن تكون خالصة لله وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فمهما كانت النية حسنة، فإن العمل غير مقبول ما لم يتحقق فيه الإخلاص لله والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
يقول يحيى بن يحيى الليثي: ليس في خلاف السنة رجاء ثواب.
ثانيًا: البدع في الحقيقة هي سوء أدب مع مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى تم الدين واكتمل.
وهذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في يوم عرفة.
روى البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلت معشر اليهود، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: وأي آية؟ قال: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا"، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة في يوم جمعة.
وتَعدَدَةُ الابتِدَاع في الدينَ إحدَى البدع.
فقد قال الإمامُ مالكٌ رحمه الله أنه من ابتدع في الدين بدعة ورأى أنها حسنة، فإنه يُتهَم أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله عز وجل يقول في القرآن: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، ومن الواضح أن ما لم يكن دينا في ذلك اليوم فلا يمكن اعتباره دينا اليوم.
وقد قال الله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا"، وهذا الآية يُجرم من يختلف مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
يُضافُ إلى ذلك: ما جاء في الشرعِ مِن ذمِّ البِدَعِ، وما قرّرَه العلماءُ مِن خُطورةِ البِدَعِ، بل قد تُخرِجُ صاحبَها مِن الإسلامِ، وهو يَظنُّ أنه يتقرّبُ إلى الله.
ومِن ذلك: أنه لا خَيرَ في البِدَعِ، إذْ لو كان فيها خيرٌ لَسَبَقَنا إليها خيرُ الناسِ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأكثرُ الناسِ حرصًا على سُنّتِهِ، واقتداءً به عليه الصلاة والسلام، وهم الصحابةُ.
قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ الدمشقيُّ في تفسيرِ هذه الآية: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف:11]: وأما أهلُ السُّنةِ والجماعةِ فيقولون في كلِّ فِعلٍ وقَولٍ لم يثبتْ عن الصحابةِ رضي الله عنهم: هو بِدْعةٌ؛ لأنه لو كان خيرًا لَسَبَقُونا إليه، لأنهم لم يَتْرُكُوا خَصْلةً مِن خِصالِ الخيرِ إلاَّ وقد بَادَرُوا إليها.
وقد عَقَدَ الإمامُ الشاطبيُّ في كتابِ الاعتصام فَصْلًا في ذِكْرِ ما في البِدَعِ مِن الأوصافِ المحذورةِ، والمعاني المذمومةِ، وأنواعِ الشؤمِ.
وسأذكرُ بعضَ ما ذَكَرَه باختصارٍ، ومَن أرادَ الاستزادةَ فليُراجِعْ كتابَ الاعتصام .
قال الإمامُ الشاطبيُّ: فاعْلَمُوا أنَّ البدعةَ لا يُقْبَلُ معها عِبادةٌ مِن صلاةٍ ولا صيامٍ ولا صدقةٍ ولا غيرِها مِن القُرُباتِ.
ومُجَالِسُ صاحِبَها تُنْزَعُ منه العِصْمةُ، ويُوكَلُ إلى نفسِه، والْمَاشِي إليه ومُوَقِّرُه مُعِينٌ على هَدمِ الإسلام، فما الظَّنُّ بِصَاحِبِها؟
وهو مَلْعُونٌ على لِسانِ الشريعةِ، ويَزدادُ مِنَ اللهِ بِعِبَادتِه بُعْدًا.
وهي مَظِنّةُ إلْقَاءِ العداوةِ والبغضاءِ.
ومَانِعَةٌ مِن الشفاعةِ المحمّديةِ.
ورَافعةٌ للسُّننِ التي تُقَابِلُها.
وعلى مُبْتَدِعِها إثمُ مَنْ عَمِل بها.
وليس له مِن توبَةٍ، وتُلْقَى عليه الذّلةُ في الدنيا والغضبُ من الله.
ويُبْعَدُ عن حَوضِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تقرّرَ عند أهلِ العِلْمِ: أنَّ صاحِبَ البِدعةِ شرٌّ مِن صاحِبِ الكبيرةِ؛ وذلك: أنَّ صاحِبَ البِدعةِ يَزعمُ أنه يتقرّبُ إلى اللهِ بِما ليس بِقُربةٍ، بل بِما يُباعِدُه عن اللهِ تبارك وتعالى، ولذلك فإنَّه لا يُحدِّثُ نفسَه بالتوبةِ مِن هذا الْحَدَثِ، وإن كان صاحِبُه ملعونا، كما تقدَّم. وصاحِبُ الكبيرةِ يُحدِّثُ نفسَه بالتوبةِ، ولا يَزعَمُ أنه يتقرّبُ إلى اللهِ بِكبيرتِه، بل يَعلَمُ أنها تُبعِدُه عن اللهِ تبارك وتعالى. وقد ذَكَرَ ابنُ القيمِ أنَّ الشيطانَ يُريدُ أنْ يَظْفَرَ بالإنسانِ في عَقَبةٍ مِنْ سَبْعِ عَقَباتِ، بعضها أصعبُ مِن بَعضٍ، لا يَنْزِلُ مِنه مِن العقبةِ الشّاقّةِ إلى ما دُونِها إلاّ إذا عَجَزَ عن الظَّفَرِ به فيها. العَقَبةُ الأولى: عَقَبةُ الكُفرِ باللهِ وبِدِينِه ولِقائه، وبِصِفاتِ كَمَالِه، وبما أَخْبَرَتْ به رُسُلُه عنه، فإنَّه إنْ ظَفِرَ به في هذه العَقبةِ بَردَتْ نارُ عَداوتِه واستراحَ، فإنْ اقتحمَ هذه العقبةَ ونَجَا منها بِبَصِيرةِ الْهِدايةِ، وسَلِمَ معه نورُ الإيمانِ طَلَبَه على: العَقَبةُ الثانيةُ: وهي عَقبةُ البِدعةِ، إمّا باعتقادٍ خلافَ الحقِ الذي أَرْسَلَ اللهُ به رَسَولَه، وأنْزَلَ به كِتابَه، وإمّا بالتعبّدِ بما لم يَأذنْ به اللهُ مِن الأوضاعِ والرّسومِ الْمَحْدَثةِ في الدِّينِ، التي لا يَقبلُ اللهُ منها شيئا، والبِدْعتانِ في الغالبِ مُتَلازِمَتان، قَلَّ أن تَنْفَكَّ إحداهما عنِ الأخرى، كما قال بعضُهم: تَزَوّجتْ بِدْعةُ الأقوالِ بِبِدْعةِ الأعمالِ، فاشتغلَ الزَّوْجَان بالعُرسِ، فَلم يَفْجأْهم إلاّ وأولادُ الزِّنا يَعِيثون في بلادِ الإسلامِ، تَضِجُّ منهم العبادُ والبلادُ إلى اللهِ تعالى. وقال شيخُنا: تَزَوّجتْ الحقيقةُ الكافِرةُ، بالبِدعةِ الفاجِرةِ، فَتَولّدَ بينهما خُسرانُ الدنيا والآخرةِ. فإنْ قَطَعَ هذه العَقَبةَ، وخَلَصَ منها بِنورِ السُّنةِ، واعتصَمَ منها بِحَقيقةِ الْمُتَابَعةِ، وما مَضَى عليه السلفُ الأخيارُ مِن الصحابةِ والتابعين لهم بإحسانٍ... العقبةُ الثالثةُ: وهي عقبةُ الكبائرِ، فإنْ ظَفِرَ به فيها زَيَّنَها له، وحَسَّنَها في عِينِه، وسَوّفَ به، وفتحَ له بابَ الإرجاءِ... والظَّفَرُ به في عَقبةِ البِدعةِ أحبُّ إليه، لِمُنَاقَضَتِها الدِّينَ، ودَفْعِها لِمَا بَعَثَ اللهُ به رسولَه، وصاحِبُها لا يَتُوبُ منها، ولا يَرْجِعُ عنها، بَل يَدعو الْخَلْقَ إليها، ولِتَضَمّنِها القَوْلَ على الله بِلا عِلْمٍ، ومُعَاداةَ صَريحِ السُّنةِ، ومُعاداةَ أهلِها، والاجتهادَ على إطفاءِ نُورِ السُّنةِ، وتَوْلِيةِ مَنْ عَزَلَه اللهُ ورسولُه، وعَزْلِ مَن وَلاّه اللهُ ورسولُه، واعتبارِ ما رَدّه اللهُ ورَسولُه، ورَدِّ ما اعْتَبَره، ومُوَالاةِ مَن عادَاه، ومُعَادَاةِ مَن وَالاه، وإثباتِ ما نَفَاه، ونَفْيِ ما أثبتَه، وَتكذيبِ الصادقِ، وتصديقِ الكاذِبِ، ومُعَارَضَةِ الْحَقِّ بالباطلِ، وقَلْبِ الحقائقِ بِجَعْلِ الْحَقِّ بَاطِلا، والباطلِ حَقا، والإلحادِ في دِينِ الله، وتَعْمِيَةِ الْحَقِّ على القلوبِ، وطَلَبِ العِوَجِ لِصراطِ اللهِ المستقيمِ، وفَتحِ بابِ تبديلِ الدِّينِ جُمْلةً. فإنَّ البِدَعَ تَسْتَدْرِجُ بِصَغِيرِها إلى كبيرِها، حتى يَنْسَلِخَ صاحِبُها مِن الدِّينِ، كما تَنْسلُّ الشَّعْرةُ مِن العَجينِ، فَمَفَاسِدُ البِدَعِ لا يَقِفُ عليها إلاّ أربابُ البصائرِ، والعُمْيَانُ ضَالّون في ظُلْمِةِ العَمَى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}. اهـ. ويُنظَرُ تتمةُ كلامِه في مدارجِ السالكين . وثَمّةَ شُبهاتٍ واهِيةٍ تُعارَضُ بها السُّنّةُ، ويُشدُّ بها مِن أزْرِ البِدعَةِ، كقولِ بعضِهم: بماذا يُجابُ عن صيامِ يومِ عاشوراءَ، وهو زيادةٌ في الشُّكرِ...؟ والجوابُ عنه: أن صيامَ يومِ عاشوراءَ جاءتْ به السُّنّةُ، فهو حُجّةٌ على أهلِ البِدعِ بِما فيها الْمُوالِدُ؛ لأننا نَقِفُ مع النصوصِ حيث وَقَفَ السَّلَفُ. وصيامُ يومِ عاشوراءَ عِبادةٌ، والعباداتُ تَوقِيفيةٌ، ولو لَم تأتِ به السُّنَةُ، لَكَان تخصيصُ صومِه بِدعةً. وهو مثلُ صيامِ يومِ الاثنين، فإنه جاء فيه أنه يومٌ وُلِد فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، بل جاء النصُّ عليهما في حديثٍ واحِدٍ. فقد سُئلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صومِ يومِ الاثنينِ؟ قال: «ذاك يَومَ وُلِدْتُ فيه، ويَومَ بُعِثت، أو أُنْزِلَ عليَّ فيه». وسئل عن صومِ يومِ عرفةَ؟ فقال: يُ «كفِّرُ السَنَةَ الماضيةَ والباقيةَ». وسئل عن صومِ يومِ عاشوراءَ؟ فقال: «يُكفِّرُ السنةَ الماضيةَ». (رواه مسلم). وصومُ يومِ الاثنينِ عِبادةٌ، وهو يومٌ تُعرَض فيه الأعمالُ على اللهِ، مع كَونِه اليومَ الذي وُلِد فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَكُنْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ مِن أصحابِه رضي الله عنهم يُحدِثون في ذلك اليومِ مَزيدَ عَمَلٍ أو احتفالٍ؛ لكونه اليومَ الذي وُلِد فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يَصومُونه، وصِيامُهم له في كلِّ أسبوعٍ، وليس يَومًا في السَّنَةِ. ويُقَالُ لأهْلِ البِدَعِ: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، على أنَّ الاحتفالَ بِالْمَوَالِدِ مِن الدِّينِ. فإذْ لم تأتوا ببيّنَةٍ، فهو بِدْعَةٌ مُحْدَثَة. ونقول لأهلِ البِدَعِ: هاتُوا لنا أثَرا واحِدا عن السَّلَفِ أصحابِ القرونِ الفاضلةِ: الصحابةِ والتابعين وأتباعِ التابعين، على أنَّ الاحتفالَ بالموالدِ سُنّةٌ، أوْ أنَّ واحدا منهم احتفلَ بيومِ المولِدِ! أما الاستدلالُ بالعُمُومَاتِ، فلا يصِحُّ الاستدلالُ بها في مَحلِّ النِّزَاع. ويَكفي في ذمِّ الاحتفالِ بالمولِدِ وإحياءِ ذِكْرِه وبُطلانِه: أنَّ منشأَ هذا الاحتفالِ إنما هو مِن الباطِنيّةِ، ولم يُعرَفْ عند أهلِ السُّنةِ! قال تاجُ الدّينِ الفاكهانيُّ (المتوفى: 734هـ) لا أعلمُ لهذا الْمَوْلِدِ أصلا في كِتَابٍ ولا سُنّةٍ، ولا يُنْقَلُ عَمَلُه عن أحدٍ مِن علماءِ الأُمّةِ الذين هم القُدوةُ في الدّينِ، الْمُتَمَسّكون بِآثارِ الْمُتَقَدِّمِين؛ بل هو بِدْعةٌ أحْدَثَها البَطّالُون، وشَهْوَةُ نَفْسٍ اغْتَنى بها الأكّالُون! بدليلِ أنَّا إذا أدَرْنا عليه الأحكامَ الخمسةَ قلنا: إما أنْ يكونَ واجبا، أو مندوبا، أو مُباحا، أو مكروها، أو مُحرّما. وهو ليس بِواجِبٍ إجماعا، ولا مندوبا؛ لأنَّ حقيقةَ الْمَنْدُوبِ ما طَلَبَه الشرعُ مِن غيرِ ذَمٍّ على تَرْكِه، وهذا لم يأذنْ فيه الشّرْعُ، ولا فَعَلَه الصحابةُ ولا التابعون ولا العلماءُ الْمُتَدَيّنون فيما علمتُ. وهذا جوابي عنه بين يديِ اللهِ تعالى إن عنه سُئلتُ. ولا جائزٌ أن يكونَ مُبَاحا؛ لأنَّ الابْتِدَاعَ في الدِّينِ ليس مُبَاحا بإجماعِ المسلمين. (الموردُ في عمل المولد) وقال ابنُ الحاجِّ المالِكيُّ (المتوفى: 737هـ) في الْمَدْخَل : فَصْلٌ فِي مَوْلِدِ النَّبِيِّ والبدعِ المحدثةِ فِيهِ: انْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مَا أَشْنَعَهَا وَمَا أَقْبَحَهَا، وَكَيْفَ تَجُرُّ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ. أَلا تَرَى أَنَّهُمْ خَالَفُوا السُّنَّةَ الْمُطَهَّرَةَ وَفَعَلُوا الْمَوْلِدَ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى فِعْلِهِ بَلْ زَادُوا عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الأَبَاطِيلِ الْمُتَعَدِّدَةِ. فَالسَّعِيدُ السَّعِيدُ مَنْ شَدَّ يَدَهُ عَلَى امْتِثَالِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى ذَلِكَ وَهِيَ اتِّبَاعُ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - لأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنَّا، إذْ هُمْ أَعْرَفُ بِالْمَقَالِ، وَأَفْقَهُ بِالْحَالِ. وقال: الْعَجَبُ الْعَجِيبُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ الْمَوْلِدَ بِالْمَغَانِي وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ لأَجْلِ مَوْلِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيهِ انْتَقَلَ إلَى كَرَامَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفُجِعَتْ الأُمَّةُ فِيهِ وَأُصِيبَتْ بِمُصَابٍ عَظِيمٍ لا يَعْدِلُ ذَلِكَ غَيْرُهَا مِنْ الْمَصَائِبِ أَبَدًا. فَعَلَى هَذَا كَانَ يَتَعَيَّنُ الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ الْكَثِيرُ، وَانْفِرَادُ كُلِّ إنْسَانٍ بِنَفْسِهِ لِمَا أُصِيبَ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمْ الْمُصِيبَةُ بِي. اهـ. ولِمّا كانتِ العِبادةُ المستَمِرةُ ثَقِيلةً على النفسِّ، واللهوُ والعَبثُ في يَومِ في السَّنةِ خفيفًا على النفسِ، مع ما فيه مِن حظِّ الشيطانِ – زيّنَ الشيطانُ الاحتفالَ بالموالِدِ! والأمْرُ كما قال ابنُ القيمِ: ثَقُل الكتابُ عليهم لَمَّا رَأوا *** تقييدَه بِشَرَائعِ الإيمـــــــــانِ واللهوُ خفَّ عليهم لَمّا رَأوا *** ما فيه مِن طَربٍ ومِن ألْحَانِ وقد ذَكَر الإمامُ الشاطبيُّ أنَّ سببَ بُعْدِ صاحبِ البِدعةِ عن التوبةِ: أنَّ الدخولَ تحت تكاليفِ الشريعةِ صَعبٌ على النفسِ؛ لأنَّه أمْرٌ مُخَالِفٌ للهَوى وصَادٌّ عن سبيلِ الشهواتِ، فيَثْقلَ عليها جِدا؛ لأنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ، والنَّفسُ إنّما تَنْشَطُ بِمَا يُوافِقُ هَوَاها لا بِمَا يُخَالِفُه، وكُلُّ بِدعةٍ فلِلهَوى فيها مَدْخلٌ، لأنها رَاجِعةٌ إلى نَظرِ مُخْتَرِعِها لا إلى نَظَرِ الشَّارِع، فإنْ تَعَلّقَتْ بِحُكمِ الشَّارِعِ فَعَلى حُكْمِ التَّبَعِ لا بِحُكْمِ الأصْلِ، مع ضَمِيمَةٍ أُخرى، وهي أنَّ الْمُبْتَدِعَ لابُدَّ له مِن تَعَلّقٍ بِشُبْهَةِ دَلِيلٍ يَنْسِبُها إلى الشَّارِعِ ويَدّعي أنَّ مَا ذَكَرَه هو مَقصودُ الشَّارِعِ؛ فَصَار هَوَاه مَقْصُودا بِدَليلٍ شَرْعيٍّ في زَعْمِه! فَكيف يُمْكِنُه الْخُرُوجُ عن ذلك، ودَاعِي الْهَوى مُسْتَمْسِكٌ بِحُسْنِ ما يَتَمَسّك به، وهو الدليلُ الشرعيُّ في الجملةِ. اهـ. والاستدلالُ على جَوازِ المولِدِ بِفعلِ الصحابةِ في جَمْعِ القرآنِ، يدلُّ على جَهْلِ الْمُسْتَدِلِّ بذلك! لأنَّ جَمْعَ القرآنِ مِن باب المصالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وليس مِن قَبِيلِ البِدَعِ الْمُحْدَثَةِ! ثم أين فائدةُ إقامةِ الموالِدِ – لو افترضنا فيه فائدةً – مع فائدةِ جَمْعِ القرآنِ الذي هو عِصْمَةُ الأمّة؟! قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: المصالِحُ الْمُرْسَلَةُ: أنْ يَرى الْمُجْتَهِدُ أنَّ هذا الفِعلَ يَجْلِبُ منفعةً راجحةً، وليس في الشَّرعِ ما يَنْفِيه... وجَلْبُ المنفَعةِ يكونُ في الدنيا وفي الدِّين. اهـ. ومع ذلك فليس بابُ المصالِحِ الْمُرْسَلَةِ مفتوحًا على مِصْرَاعيه! قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عن المصالِحِ الْمُرْسَلَةِ: وهذا فَصْلٌ عظيمٌ ينبغي الاهتمامُ به، فإنَّ مِنْ جِهتِهِ حَصلَ في الدِّينِ اضطرابٌ عظيمٌ، وكثيرٌ مِن الأمراءِ والعلماءِ والعُبّادِ رأوا مَصالِحَ فاستعملوها بناءً على هذا الأصلِ، وقد يكونُ منها ما هو مَحظورٌ في الشَّرعِ ولم يَعلَموه. اهـ. وهنا قيدٌ مُهمٌّ، وهو أنَّ المصالِحَ الْمُرْسَلَةَ: أن يَرى الْمُجْتَهِدُ أنَّ هذا الفِعلَ يَجْلِبُ منفعةً راجحةً، وليس في الشَّرعِ ما يَنْفِيه، وهذا بِخلافِ البِدَعِ، فإنَّ في الشَّرْعِ ما يَنْفِيها؛ إما بِخُصوصِها، وإما على العُمومِ في ذمِّ الابتدَاعِ والإحداثِ في الدِّين، مما تقدَّمَتِ الإشارةُ إليه مِن الأدلةِ. وأما الاستدلالُ بأفعالِ العلماءِ وأقوالِهم؛ فهو خَلَلٌ في الاستدلالِ! ومما تَقرَّر عند أهلِ العِلْمِ: أنَّ قولَ العالِمِ يُحْتَجُّ له، ولا يُحْتَجُّ به. قال الْحَسنُ البصريُّ: لن يَزَالَ للهِ نُصَحَاءُ في الأرضِ مِن عِبادِه يَعْرِضُون أعمالَ العبادِ على كِتابِ اللهِ، فإذا وَافَقُوه حَمِدُوا اللهَ، وإذا خَالَفُوه عَرَفُوا بِكِتابِ اللهِ ضَلالةَ مَن ضَلَّ، وهُدَى مَن اهتدى.
قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا" [المائدة:3].
وقد روى ابن الماجِشون قوله مالك: من ابتدع في الإسلام بدعة يَرَاها حَسَنَة، فإنه يزعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، وذلك لأن الله تعالى يقول في القرآن: " اليوم أكملت لكم دينكم"، وإذا لم يكن ذلك دينًا في ذلك اليوم فلا يمكن اعتباره دينًا اليوم.
ومَن يأتي بابتداع يُحسنه فإنه يستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتضمن اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير في تبليغ رسالته، وهذا الاتهام يعود على الله تعالى، فكيف يمكن اعتبار أن الرسول يقصر في تبليغ رسالته والله يؤيده ويسده وينصره؟!
بالعكس، البدعة تعتبر ردًا على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع والاحداث في الدين، فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة"، فكل بدعة تعتبر ضلالة.
.jpeg)