التربية والتعليم فى عهد النبوة واللاتربية ولاتعليم فى العصر الحديث!!!

 التربية والتعليم فى عهد النبوة واللاتربية ولاتعليم فى العصر الحديث!!!



في بداية كل موسم دراسي جديد, والذي يأمل فيه الآباء والأمهات وأولياء الأمورعموما؛ أن يحالف النجاح والتوفيق فلذات أكبادهم,لا بد من التذكير بأمر في غاية الأهمية والخطورة في نفس الوقت، كما أنه أمانة في عنق كل مربّ بحكم انتمائه إلى قطاع التربية والتعليم،وهو مسؤول عن أدائها أمام الخالق سبحانه وأمام الخلق, ألا وهى الاهتمام بالجانب الأخلاقي والتربوي للطلاب, وعسى هذا التذكير أن يحدث أثرا في من يعنيهم الأمر من مربين ممارسين، ومن أولياء أمور، فكلهم تقع عليهم مسؤولية تربية الناشئة المتعلمة وكلهم سيسألون عن الرعية التي استرعاهم الله عز وجل يوم لقائه؛فلا تعلّم ولاتعليم دون تربية, ولا شك أن التربية الأخلاقية والتربية العلمية من الأهداف الرئيسية للمدارس والمراكزالتعليمية! لكن وعلى الرغم من رفع هذه المدارس شعار"التربية والتعليم" إلا أنه وللأسف الشديد لا تهتم معظم المدارس بالجانب الأخلاقي والتربوي للطلاب. ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث إن أهملت المدرسة دورها التربوي على حساب المهمة التعليمية, فضلا عن اهمال الجانب العلمى كذلك, خاصة مع تراجع دور الأسرة التربوي،الأمر الذى أدى بدوره الى تحوّل المسؤولية بالكامل نحو المدرسة لتعويض غياب الأسرة، بعد أن كانت تتقاسم الدور التربوي مع الأسرة؛ إذ لا بُدّ أن يكون الدور تكافلياً بين الأسرة والمدرسة،لكن مدارسنا تحتاج إلى التربية قبل التعليم، تحتاج إلى إبراز دورالمرشد الاجتماعي والاختصاصي النفسي عملاً لا قولاً، فالعديد من المشكلات السلوكية والاجتماعية المنتشرة الآن يمكن للمدرسة أن تقتلها في مهدها قبل أن تنمو؛ إن قامت المدرسة بدورها التربوي التاريخي،الذي بدأ بها منذ إنشاء المدرسة فأصبح هوية لها. وبناء عليه ستكون المدرسة منارة للأبناء والجيل القادم إذا ما اهتمت في غرس القيم الإنسانية النبيلة أكثر من اهتمامها بتجديد طبعات الكتب وابتكارالاستراتيجيات التعليمية، فالتربية في المدارس منذ الطفولة هي الوقاية، هي الرقابة الذاتية، هي الانضباط، هي ممارسة الأمانة والصدق والإخلاص في العمل واحترام حقوق الإنسان، وتجنب الممارسات المخالفة للدين والقوانين.وإذا كان التعليم في الصغر كالنقش  على الحجر لا يمحى بالزمن ، فإنه بلاشك ترسيخ القيم التربوية الأخلاقية هى من أهم مقومات بناء شخصية سوية لذا سميت وزارة التعليم الأساسي بالتربية والتعليم بل سبقت كلمة التربية تأكيدا على انها غذاء الروح  وبها يتأسس الأنسان وتتقدم الأمم بالأخلاق؛والأخلاق والعلم وجهان للمعنى الحقيقي للأنسان وتعكس تقدم الأمة وتطورها  فلا مجتمع صالح بلا علم ولا وطن متقدم ومتطور دون تربية أخلاقية تحمل كل معاني الرقي والإنسانية؛ فما أهمية التعليم إن لم يحصّن الأخلاق ويقوي منظومة القيم؟! فقد فضّلوا التربية على التعليم! وقد كان المعلّم يُسمّى«المُربّي» وكان حقاً مربياً موجهاً مرشداً ومساعداً لطلبته قبل أن يكون معلماً.

وقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني مجتمعًا مسلمًا أروع وأشرف مجتمع عرفه التاريخ،وأن يضع لمشاكل هذا المجتمع حلولا جذرية بعد أن كان يعيش في ظلمات الجهل والخرافات،فأصبح مجتمعًا يضرب به المثل في جميع الكمال الإنساني، وهذا بفضل الله وحده، ثم بفضل هذا النبي الحكيم،الذى دربهم على أعلى القيم والمثل حتى صاروا صورة لأعلى قمة من الكمال الإنساني؛ فالتعليم المزهر في صدر الإسلام لبَّى حاجات الأمة، وكوّن أجيالاً ناضجة، وجعل الأمة قائدة لا مقودة،عزيزة لا ذليلة،متبوعة لا تابعة. وتلك كانت أسمى وظيفة أرسل النبى من أجلها وأعظم نعمة منّ الله بها على عباده كما قال تعالى:(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ،وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)سورة الجمعة. فقد منّ الله على عباده بنعمة إرسال الرسل، وخاصة نعمة إتمام الرسالات،بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾البقرة:151. وبتصفحك للمصحف تجده يُكرِّر هذا المعنى؛ فيقول:﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ آل عمران: 164. والمنة ظاهرة في اختيار الله للأميين ليجعلهم أهل الكتاب المبين؛ وليرسل فيهم رسولا منهم، يرتفعون باختياره منهم إلى مقام كريم؛ ويخرجهم من أميتهم بتلاوة آيات الله عليهم، وتغيير ما بهم، وتمييزهم على العالمين؛وليس ذلك فقط بل(ويزكيهم ) والتزكية التطهير؛ تطهيرالضمير والشعور، وتطهير العمل والسلوك،وتطهير الحياة الزوجية،وتطهير الحياة الاجتماعية؛ تطهير شامل للفرد والجماعة, تطهير ترتفع به النفوس من عقائد الشرك إلى عقيدة التوحيد؛ ومن التصورات الباطلة إلى الاعتقاد الصحيح، ومن الأساطير الغامضة إلى اليقين الواضح, وترتفع به من رجس الفوضى الأخلاقية إلى نظافة الخلق الإيماني, ومن دنس الربا والسحت إلى طهارة الكسب الحلال.....الخ. وكذلك(ويعلمهم الكتاب والحكمة) يعلمهم الكتاب فيصبحون أهل كتاب. ويعلمهم الحكمة فيدركون حقائق الأمور، ويحسنون التقدير، وتلهم أرواحهم صواب الحكم وصواب العمل وهو خير كثير. وهذا إجابة من الله لخليله إبراهيم حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة تلك الدعوة التي أطلقها في ظل البيت هو وإسماعيل عليه السلام:(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) كانت هذه الدعوة من وراء الغيب، محفوظة عند الله لا تضيع،وتحققت بنصها الذي تعيده السورة هنا لتذكر بحكاية ألفاظ إبراهيم . ونلاحظ في الآيات السابقة المتكرِّرة بلفظها ومعناها أنه دائمًا ما يُقدِّم التزكية على التعليم، ومن المعلوم أن تقديم الشيء دليلٌ على الاهتمام به والعناية بمكانته، فتلك الآيات جميعها تُعنَى بالتزكية وتقدمها، بينما توجد آية واحدة في كتاب الله ينعكس فيها هذا الترتيب، فيقدم فيها التعليم على التزكية وهى هذه الآية التى تقص دعوة ابراهيم؛ فقط في هذه الآية تقدَّم التعليم وزادت العناية به، ولو تأمَّلت هذه الآيات تجد سرًّا لطيفًا يُفسِّر لك هذا الاختلاف في الترتيب، تجد أن الآيات الأُوَل التي تتقدَّم فيها التزكية هي من كلامِ الله تعالى وحديثه المباشر للناس، بينما الآية المختلفة هي من قول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وقد كان لهما من البصيرة والحصافة ما يدلُّهما على أن وظيفة الأنبياء والرسل والدعاة، إنما هي التعليم في المقام الأول، وأما التزكية، فتابعة له ولاحقة,والداعي والمربِّي، إنما عليه أن يغرِسَ الغرس بالتعليم،وأن يرعاه حتى يثمر ثمرته المرجوَّة، وهي النفوس الزكية. وإن أعظم  خريطة طريق تهدي إلى سبيل النجاح في تحصيل العلم والمعرفة ؛هى التربية القويمة؛ فالتربية لها دور رئيس في طلب وتحصيل العلم والمعرفة؛ وأفضل ما يتصدر الحديث عن هذا الأمر هو استحضار قصة الإمام محمد بن إدريس الشافعي مع أستاذه الإمام الحافظ وكيع بن الجرّاح رحمهما الله تعالى، ذلك أن الشافعي وكان إماما حافظا،وصاحب ذاكرة لاقطة في منتهى العجب حتى أنه روي عنه أنه كان يلقي النظرة على الصفحة من السفر فترتسم في ذهنه تماما كما تنسخ الناسخات الصفحات في زمننا هذا الذي لم يعد فيه اهتمام للذاكرات، وقد حصل له يوما أن اختبر ذاكرته، فلم يجدها كما عهدها لاقطة، ففزع إلى شيخه الإمام الحافظ وكيع يشكو إليه ذلك، فدله شيخه على السر ،وصوّر ما دار بينهما في بيتين من شعر حكمه الرائعة قال فيهما:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي     =  فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نـــــــور       = ونور الله لا يهدى لعـــــــاصي
وبهذين البيتين وضع الإمام الشافعي لطلاب العلم إلى آخر الزمان ؛أمر في غاية الأهمية والخطورة وخريطة طريق تهديهم إلى سبيل النجاح في تحصيل العلم والمعرفة ؛ وهو دور التربية  في طلب وتحصيل العلم والمعرفة،فقول الشافعي في البيتين الشعريين يحيل بامتيازعلى مجال التربية، ذلك أنه ربطها بالعلم الذي قوامه التعليم والتعلّم، وكنى عنها بعبارة  ترك المعاصي التي تعني استقامة السلوك وهو قوام التربية, ولقد كان مرجع الإمام وكيع وتلميذه الشافعي في بيان علاقة العلم بالتربية أوبالتقوى إذا شئنا استعمال التعبيرالقرآني هو كتاب الله عز وجل الذي يقول فيه جل شأنه:(واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم) حيث ارتبط  في الآية الكريمة الأمر بالتقوى بتحصيل العلم،لهذا نصح الإمام وكيع تلميذه الشافعي بترك المعاصي وهو ممارسة من ممارسات تحقيق تقوى الله عزوجل. ومعلوم أنه عند التأمل الدقيق في مفهوم التقوى ينتهي بنا الأمرإلى التربية التي تتحقق من خلال علاقة تنشأ أولا ما بين الإنسان وخالقه ثم  تشمل بعد ذلك علاقاته مع  مختلف المخلوقات العاقلة وغير العاقلة، وبيان ذلك أن الله  ينعت ذاته المقدسة بالربوبية، وفي ذلك ما يدل على خضوع الإنسان لتربية إلهية تجعله مستقيم السلوك في حياته مع محيطه وما يحويه ؛ومن تربية الله عز وجل للإنسان تعليمه ما لم يكن يعلم مصداقا لقوله تعالى:( اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان مالم يعلم ) وهذا ما حمل الناس على اعتبار التعليم الذي يتحقق به التعلّم وسيلة من وسائل التربية، بل هو عندهم أهمها على الإطلاق،ذلك أنه على قدر نصيب الإنسان من العلم يكون نصيبه من التربية، وهذا ما ترجمه البيت الشعري للإمام الشافعي :
وأخبرني بأن العلم نور  = ونور الله لا يهدى لعاصي
ومعلوم أن التعبير القرآني يستعير النور للدلالة على الوحي المنزل من عند الله عز وجل كما هو الشأن في قوله تعالى:(فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا) وقوله أيضا:(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) كما أنه يستعير أيضا النور للدلالة على الهداية، ويستعير الظلمة للدلالة على الضلال كما هو الشأن في قوله تعالى:(الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت  يخرجونهم من النورإلى الظلمات) ويلاحظ أن استعارة النورللدلالة على الوحي،وهوعلم لقوله تعالى:(الرحمن علّم القرآن) واستعارته للدلالة على الهداية هو الجامع بينهما نظرا لتلازمهما، لهذا قال الإمام الشافعي: ونور الله لا يهدى لعاصي؛لأن الهداية والضلال أوالاستقامة والعصيان لا يجتمعان تماما كما لايجتمع النور والظلام؛ وبناء على ما تقدم  فإنه من العبث أن يُرجى ممن لا استقامة له أوبتعبير آخر ممن لا تربية له تحصيل العلم,والتفوق فيه؛وهذا هو واقع المنظومة التعليمية فى كثير من بلاد المسلمين؛ أن التربية فيها صارت معطلة، فصرنا أمام ناشئة متعلّمة لا تضبطها ضوابط تربوية؛ العبث يلازمها حيثما وجدت حتى داخل الفصول؛ بحيث يصرف المدرسون وقتا كبيرا من الحصص الدراسية لضبطها وصرفها عن تنكب العبث والانصراف للتحصيل، أما خارج الفصول سواء في ساحات المدارس, أوخارجها أومحيطها أو في الشوارع والطرقات، فحدث ولا حرج؛ذلك أن الغالب على هذه الناشئة هو العبث وسوء الخلق بحيث لا تصدرعنها الكلام الفاحش الذي يعكس غياب شيء اسمه التربية؛لأن الناشئة المتعلمة تربت على سلوك منحرف تلتقطه من الشارع الذي لا ضابط أخلاقي له، وتنقله حرفيا إلى المؤسسات التربوية. والأشد غرابة من ذلك أن هذه الناشئة المتعلمة سريعة التأثر بنماذج من المنحرفين أخلاقيا من الذين تعج بهم الشوارع تنقل عنهم تصرفاتهم وأساليبهم الساقطة في الكلام، وتشيعه فيما بينها على أوسع نطاق حتى صارسلوك أولئك المنحرفين هو السائد،وهو سيد الموقف،وصار السلوك السوي والاستقامة عندها موضوع سخرية واستهزاء ،واستخفاف؛ ورحم الله أياما قال فيها الربيع بن سليمان عن نفسه:“ والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له ” كما يحكي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه بعد أن حضر جنازة وهم بالانصراف أخذ عبد الله بن عباس بركاب زيد (وهو الحديدة التي يضع فيها قدمه ليركب الدابة) فقال له زيد: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنا هكذا نصنع بعلمائنا. ويذكر عن الإمام أبو حنيفة بانه كان لا يمد رجليه ناحية بيت معلمه حماد احتراما له، بالرغم من المسافة الطويلة بين بيت أبي حنيفة وبيت معلمه. أما الإمام الشافعي فكان إذا جلس في مجلس معلمه الإمام مالك يقوم بتقليب الأوراق برفق شديد حتى لا يزعج معلمه الإمام مالك.
*لكن ليست المدرسة وحدها السبب فى نقص التربية ونقص التعليم
نعم ليست المدرسة وحدها السبب فى نقص التربية ونقص التعليم؛ فحين يكذب الطفل، وهو في المرحلة الأولى من تكوينه النفسي والأخلاقي والسلوكي، لاتكون المدرسة هي المسؤولة الأولى عن هذا السلوك غير الأخلاقي،لأنه لم يولد داخل المدرسة؛ وإنما جاء إليها من البيت مكتسبا هذا السلوك أو لديه استعداد لاكتسابه. وحين يسرق الطفل،وهو في هذه المرحلة المبكرة من مراحل حياته،لا تكون المدرسة هي المسؤولة الأولى عن هذا الانحراف الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي. وعندما تشكل مجموعة من الأطفال تنظيما عصابيا،ويعتدون على زميل بأنواع الأسلحة المختلفة لأسباب تافهة،أوغير تافهة حتى، لاتكون المدرسة هي المسؤولة الأولى عن البيئة التي تربى فيها هؤلاء الأطفال،ونوعية التربية التي تلقوها حتى اكتسبوا هذا السلوك الإجرامي، الذي لا نشاهده عادة إلا في الأفلام السينمائية المتخصصة في الجريمة والعنف، التي أصبح يقبل عليها الأطفال أكثر من أفلام الرسوم المتحركة والأفلام الهادفة المخصصة لهم.وعندما يتعارك الإخوة الصغار داخل البيت،ويتعالى صراخهم،وتمتد أيدي بعضهم إلى بعض،لا تكون المدرسة هي المسؤولة الأولى عن هذا العنف والسلوك العدواني الذي اكتسبوه من الألعاب التي يمارسونها من خلال أجهزة البلاي ستيشن والإكس بوكس وغيرها، أمام سمع وبصرالآباء والأمهات،وبقية أفراد الأسرة الذين يمرون من أمامهم وخلفهم،غير آبهين بما يفعلون ويلعبون، ولا ناصحين لهم وموجهين كما يفرض عليهم الواجب وتقتضي منهم أصول التربية. حتى عندما يلقي جمهور كرة القدم من الشباب الزجاجات الفارغة والأدوات الحادة في الملعب، فيصيبون من فيه من لاعبين وحكام وإداريين، لأن نتيجة المباراة أوسيرها لم ينالا إعجابهم،فإن المدرسة ووزارة التربية والتعليم لا تكون هي المسؤولة الأولى عن هذا السلوك غيرالرياضي ولا الأخلاقي،الذي يمارسه هؤلاء الشباب الذين جاؤوا من بيوتهم ليستمتعوا بلعبة من أكثر الألعاب متعة وإثارة، لا للتحول إلى غوغاء ومثيرين للشغب، كما نشاهد في ملاعب كرة القدم وغيرها من الألعاب ذات الشعبية والجماهيرية الطاغية.
وقد يعيب الآباء والأمهات وأولياء أمور الناشئة المتعلمة على المؤسسات التربوية فشلها في تربيتها التربية السليمة مع أنهم لا يقومون بماعليهم من واجب التربية الأسرية لأن همهم صار محصورا في الانشغال  بنتائج أبنائهم وبناتهم، وقد يألمون إذا ماجاءت مخيبة لآمالهم وانتظاراتهم لكنهم لايكترثون بموضوع فساد أخلاق أبنائهم وبناتهم وسوء تربيتهم، ولا أحد منهم يكلف نفسه مجرد سؤالهم عن أوجب الواجبات ألا وهو واجب الصلاة التي هي عمود الدين، وأساس التربية السوية، ذلك أن من واظب عليها أكسبته السلوك المستقيم، وكانت له  ناهية عن الانحراف، كما كانت له عنونا على الانصراف الجاد والمسؤول إلى تحصيل العلم والمعرفة باعتبارهما من صميم التدين أومن صميم العبادة كما ينص على ذلك دين الإسلام.
ولانقول هذا كي نخلي المدرسة من مسؤوليتها ونرفع العتب عنها، فهي شريك أساسي ومهم في كل ما ذكرناه وما لم نذكره من سلوكات أفراد المجتمع في كل مراحل حياتهم،لأنها شريكة في مرحلة التأسيس، لكنها ليست المتهم الأول والوحيد الذي تجب مطاردته وإلقاء القبض عليه ومحاكمته وتجريمه، مثلما يفعل البعض محاولا التهرب من واجباته ومسؤولياته ودوره في التربية، التي تبدأ من البيت أولا،ثم تأتي أدوار الجهات الأخرى بعد ذلك؛ داعمة ومكملة لدورالبيت الذي يجب أن يكون هوالمدرسة ووزارة التربية الحقيقية المسؤولة عن الأبناء،قبل أن يلتحقوا بالمدارس والجامعات، وقبل أن يخرجوا إلى الحياة للتعامل مع بقية أفراد المجتمع، وفقا للأخلاق والمبادئ التي تربوا عليها في البيت، ونهلوا منها داخل أسواره. فلا شك أن ما نشاهده ونقرأ عنه من حوادث اعتداء بالأيدي والأسلحة البيضاء، وحالات شغب في الملاعب، يرتكبها أطفال وشباب في سن التكوين، تصب في اتجاه نقص التربية أكثر مما تصب في اتجاه نقص التعليم. ولا شك أن الاتجاهين مرتبطان غير منفصلين، لكن نقص التعليم تمكن معالجته والتغلب عليه بتطويرالمناهج,وتحديث أساليب التدريس،وتهيئة البيئة المدرسية كي تكون جاذبة للطالب. أما نقص التربية فمشكلة كبيرة ومعقدة،تحتاج تضافر جهود جميع فئات المجتمع ومؤسساته ووزاراته وجمعياته، من قمة الهرم إلى القاعدة. كما أن ارتفاع نسبة التعليم ليس دليلا على ارتفاع نسبة التربية بدليل أن مجتمعنا قبل ستة عقود،عندما لم يكن هناك تعليم نظامي،كان أكثر أمنا وأقل عنفا وجريمة وانفلاتا منه الآن. صحيح أن تركيبة المجتمع السكانية كانت مختلفة عن تركيبته التي طرأ عليها الكثير خلال العقود الستة الماضية..لكن هذا ليس مبررا كافيا،لهذا العنف الذي نراه ينتشر في أوساط الشباب، حتى لو كان ما نراه ونسمع ونقرأ عنه حالات استثنائية، فالاستثناء يتحول إلى قاعدة عندما لا نلاحقه ونقضي عليه في مهده، ونقص التربية يصبح أزمة عندما نستهين به ولا نعالجه في مراحله الأولى. ورحم الله أياما يذكر فيها عن هارون الرشيد أنه طلب من الأصمعي تعليم ولده، وفي ذات يوم رأي هارون الرشيد الأصمعي يقوم بغسل قدميه ومن يصب الماء له هو ابنه، فقال له هارون الرشيد ” إنما دفعت به إليك لتعلمه وتؤدبه أفلا طلبت منه أن يصب الماء بإحدى يديه وأن يغسل قدمك باليد الأخرى”. ومثله مثل الخليفة المأمون الذي طلب من الفراء تعليم ولديه النحو، وفي يوم من الأيام هم الفراء على القيام من مجلسه فتسابق ولدي المأمون إلى نعل الفراء واختلفا من يقدمه له، إلى أن اتفقا أن يقوم كلا منهما بتقديم واحدة للفراء. الأمر الذي وصل إلى الخليفة المأمون، فقام باستدعاء الفراء وسأله “من أعز الناس” فرد الفراء “لا أعلم أعز من أمير المؤمنين”، فقال المأمون” بلى، إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضي كل منهما أن يقدم له فردا”. وقد ظن الفراء أن ذلك الموقف قد أغضب الخليفة المأمون فاعتذر منه موضحا أنه حاول منعهما ولكنهما رفضا، فرد المأمون “لو منعتهما لعاتبتك، وما وضع ما فعلاه من شرفهما بل رفع من قدرهما”.
* كما أن التربية الأخلاقية للمعلم (القدوة) من أهم المهمات:
فإن عيون الأولاد ماهي إلا كاميرات مراقبة وأسماعهم أشرطة تسجيل،وكل ما يراه التلميذ من أستاذه لا ينساه أبدا، وكلنا يذكر لما كنا في المدرسة في المرحلة الابتدائية كيف تأثرنا بالمدرسين وحاولنا تقليدهم فى السلبيات كما الايجابيات،كنا أطفالا وقتها لم نكن نفهم شيئا من هذه الأشياء! لكن للأسف لم تمحى هذه الذكريات من رؤوسنا إلى أن كبرنا وفهمنا معناها!إن المعلم هو قدوة الطالب، ومن السفه الجلي أن يتصدر لتربية الطلاب وتعليمهم من يحتاج إلى إصلاح نفسه أولاً! إذ كيف يربي أبناءنا وهو إلى ذلك أحوج! كالطبيب الذي يداوي الناس وهو بدائه عليل! قال عمرو بن عُتبة لمعلِّم ولده (ليكُن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك،فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت،والقبيح عندهم ما تركت).
ولله درّ المتوكل الليثي عندما أنشد قائلا:
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ                  هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا     كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَراكَ تُصلِحُ بالرشادِ عُقولَنا               أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها                فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي                بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ                 عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
ختاما :
فإن من أكبر أسباب التدنى الأخلاقى فى المدارس وانهيار منظومة التربية ؛أن مادة التربية الدينية مادة مهملة لا يعتنى بمتلقيها ولا حتى ملقنها,فهى  مادة نجاح ورسوب فقط وليست مادة مجموع,وقد يقول قائل: ان سبب ذلك أن هناك مسيحيون,فنقول: حل ذلك سهل جدا وهو أن المبادئ الأخلاقية مشتركة بين الأديان جميعا بل وبينها وبين التراث الأخلاقي للإنسانية؛بل ان الدين واحد إلا فيما يخص التشريع الذي ينزل مناسبا لتغير الزمان؛وبناء عليه فيمكن إذا استحداث مادة اسمها(الأخلاق مثلا) أوأي اسم مناسب وتكون هذه المادةعامة على جميع الملل تدرس من أول صف حتى تخرج الطالب وتكون درجتها أعلى درجة وإن وصلت لتكون نصف مجموع الدرجات,وليس العكس, كما يمكن أن يضاف الى تلك المادة شى مهم آخر وهو؛أن سلوك الطالب يكون مراقبا خلال سنوات تعليمه بحيث لو ثبت إساءته لمعلمه أو والديه أوإخوته وزملائه أوارتكاب أعمال مخلة؛ يعاقب بأن يقلل ذلك من درجاته في هذه المادة, وفي حالة استفحال أمره,وعدم ارعوائه؛ يحرم من الانتقال إلى الصف التالي بل وقد يحرم من التعليم نهائيا فقد قيل(لا تعلموا السفهة العلم) وذلك صحيح إذ إن العلم سلاح ذو حدين بحسب خلق صاحبه؛ فكم رأينا من أطباء ومهندسين وكميائيين... وغيرهم من المهن؛ كان تعلمهم سببا في خسائر جمة!!فالعلم بلا أخلاق أدى ويؤدى إلى كوارث إنسانية جمة. ويجب أن يعد معلموا هذه المادة إعدادا رفيعا من الناحية النظرية, والعملية بمراقبة حسن سيرهم وسلوكهم ولو بسؤال المحيطين بهم من أقارب وجيران وأصحاب كما نسأل عن الخُطاب؛ إذ إن السيرة الأخلاقية للإنسان تكون واضحة للقريبين منه. وهذا لا يعني أننا نلغي مادة التربية الدينية ولتكن مادة نجاح ولكن بشرط أن يراعى فيها ما سبق ذكره في المعلم والتلميذ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال